أثر العنصرين الفارسي والتركي في تقويض عرش الدولة العباسية

أثر العنصرين الفارسي والتركي في تقويض عرش الدولة العباسية
أثر العنصرين الفارسي والتركي في تقويض عرش الدولة العباسية
في الواقع إن أحداث تاريخ دولة الخلافة العباسية معقدة، ومتشعبة ومتشابكة، وذات تكوينات سياسية متعددة، وقد شكلت دولة إسلامية مترامية الأطراف، تُعَدُّ امتدادًا لدولة الخلافة الأموية، تفاعلت عليها عناصر متعددة عربية وفارسية وتركية، وشهدت بنى اجتماعية وعنصرية متباينة، وتطورات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة، حددت مسيرتها ونهجها، وظل العامل الأبرز في صنع هذه الأحداث والتفاعلات العقيدة الإسلامية بفعل تأثيرها الجذري في المجتمع الإسلامي,وترجع هذه الأحداث المعقدة والمتشابكة إلى, العرقيات المؤثرة سواء عربية أو تركية أو فارسية بالإضافة إلى عرقيات أخرىالمذاهب المختلفة سواء سنية أو شيعية.
والشيعة مذاهب كثيرة متنوعة، وأحيانًا كان هناك خلاف بين المذاهب السنية, وقد تأثرت دولة الخلافة العباسية بذلك الصراع على النفوذ بين العرب والفرس والترك، وقوى نفوذ الفرس بفعل عدم قدرة الخلفاء المحافظة طويلاً على التوازن بين هذه الشعوب، فسيطروا على معظم المرافق، فكان منهم الوزراء والقادة المتسلطون بدءًا من عهد المنصور، حتى اضطر هارون الرشيد إلى نكبة وزرائه البرامكة، ثم رجحت كفتهم بعد انتصار المأمون على أخيه الأمين، وبلغ بنو سهل، وهم فرس، منزلة كبيرة في عهده، ورأى المعتصم أن يصطنع لنفسه عنصرًا جديدًا يعتمد عليه، فاتخذ من الأتراك بطانة وأداة، للقضاء على النفوذ الفارسي, طال عهد العباسيين (132 ـ 656هـ) فوصل إلى ما يقرب من خمسة قرون وربع القرن، وضعفت أيامهم في آخرها إذ زاد ظهور العصبيات فقامت دول على أساسها، ولم يكن ثمة داعٍ لقيامها لولا فكرة العصبية التي حملتها، واللغة التي أحيتها من جديد؛ فظهرت الدولة السامانية، والغزنوية، والخوارزمية، ولا شك فإن الطموح السياسي كان أساسًا في نشأتها، ثم نما باسم العصبية لداومه، ودعم الشعب لها, كما انفصلت أجزاء عن الدولة رسميًا، وأعلنت عن قيام خلافة مستقلة فيها، فكانت الخلافة الأموية في الأندلس، والفاطمية في مصر وأجزاء من إفريقية، ولم تكن هذه الدول الإسلامية على تفاهم فيما بينها، بل على العكس كانت معاديةً بعضها لبعض، وكل منها على صلة بأعداء الثانية، فالعباسيون في بغداد يصادقون حكام الفرنجة خصوم الأمويين في الأندلس، هذا مع العلم أنه لا يوجد في دار الإسلام سوى خليفة واحد، والمسلمون جميعًا تضمهم دولة واحدة، وهذا يدل على ضعف الروح الإسلامية لدى المسلمين في ذلك العهد بالنسبة إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل في الصدر الأول, وتحول مسار التاريخ السياسي، الذي لم يعد تأريخًا للخلافة، وإنما أضحت الشعوب الإسلامية هي التي تصنع هذا التاريخ وتوجهه، فقد برزت العنصريات في ظل شعار المساواة بروزًا للامركزية، و من الطبيعي في هذا الوضع الشاذ، أن تتجه جهود المؤرخين إلى تأريخ سياسات الشعوب الإسلامية كجماعات إقليمية تسعى إلى تنمية شخصيتها ومصالحها، وتقوية قبضتها على ما تسيطر عليه، بدلاً من الاتجاه إلى تأريخ أعمال الخلفاء ومن هذا المنطلق وجد أن من الأجدر بنا البحث في أسباب الضعف في تاريخنا فخصت هذا البحث لدراسة أثر العنصرين الفارسي والتركي في تقويض عرش الدولة العباسية.
                حمل
                http://goo.gl/oMLb8d